مازلت أتذكّر لحظة مفارقة جدّي للحياة , الكلمات لخاطرة شجرة الصنوبر , كلمات خاطرة شجرة الصنوبر مكتوبة
كلمات خاطرة شجرة الصنوبر
مازلت أتذكّر لحظة مفارقة جدّي للحياة..تركتُه قبلها بأسبوع في أحسن حال..كان يلازم جدّتي المقعدة و التي أحبّها كحُبّه لرائحة المطر عند ملامسة أوراق شجرة العنب التي تأخذ حيّزًا من ركن البيت الريفي ذو السقف الخشبيّ..عُمُر تلك الأعمدة الممدّدة في السقف يناهز الثمانين عامًا ولكنّها مازالت ثابتة مثله يوم تركته..يحبّها لدرجة أنه لم يرضى لبناته بأخذها عندهن فهو زوجها و أخوها و إبنها الذي لم تنجبه..واسته في محنه و وقفت معه في أشدّها أيام كان يسافر لليبيا باحثا عن لقمة العيش و لم تكن تنتظر أن يبعث لها رسائل فهي لا تعرف ولم تتعلم من الأبجدية حرفا لتكتبه و لا حتى تنتظر ماله الذي سيعود به..فاتنة هي جدّتي بتلك الوشمة على خدّها ..كلّ ما كانت تنتظره منه هو العودة إليها و إلى شجرة الصنوبر التي غرستها معه..ليستظلّا بها أيام الصيف الحارة.. قبل مفارقته الحياة لامست يديه كما لم ألامسهما من قبل..قبّلت جبينه الصافي كما لم أقبّل من قبل..مازال يتنفّس و في كامل وعيه حتى أنه عرفني و شدّ على يدي وقال لا تبكِ عند الله خير..إستأنست تلك الكلمات وهوّنت عليّا لوعة الفراق لشدة حبي له و تعلّقي به..حسبت أنّ حالته تحسنّت و أنها مجرّد وعكة عابرة و يستفيق.. تلك الكلمات النابعة من القلب “جدّتك في عينيك”..نطق الشهادتين عدّة مرّات و مع كلّ مرة كانت أطرافه تبرد حتى أفقت على دمعة نزلت من عينيه المُودِّعة و نام إلى الأبد..حظنت جدّتي التي كانت عند رأسه و بكيت معها سنين الدفئ و الكلمة الطيّبة..حتى هيّ الأخرى لم تتحمّل لوعة الهجر و الوحدة، لم تنقضي ستة أشهر حتى إلتحقت بحبيبها و جاورت قبره…
الحب لا يقاس بالكلام الحلو و الغزل.. الحب إلتزام قبل كلّ شيء..الحب هو سنين من العشرة و الألفة..سنوات ألّفت قلبين على مبادئ صادقة..مواقف أصرّ الإثنين على تحديها ليس كلّ على حدا و لكن مع بعض..الحب إختبار يقاس بالمحن و الصبر.. هو ذلك الوفاء لمن نحب رغم تموّجات الحياة..هو عهد يوثّق من أوّل لقاء حتى آخر رمق بين تشعبات الدنيا….
سقط السقف الذي صمد كلّ تلك السنين.. ماتت شجرة العنب الحلوة و جفّت شجرة الصنوبر.. ?❤
(عزّ-شوية)