كلمات خاطرة رمادّيون

منَ المؤسفِ أنَّ كلّ ما يَحدُثُ يُحدِثُ صراعاً عنيفاً في الرّوح , الكلمات  خاطرة رمادّيون , كلمات خاطرة رمادّيون مكتوبة

كلمات خاطرة رمادّيون

%d9%83%d9%84%d9%85%d8%a7%d8%aa-%d8%ae%d8%a7%d8%b7%d8%b1%d8%a9-%d8%b1%d9%85%d8%a7%d8%af%d9%91%d9%8a%d9%88%d9%86

منَ المؤسفِ أنَّ كلّ ما يَحدُثُ يُحدِثُ صراعاً عنيفاً في الرّوح، تشعرُ أنَّ داخلكَ عشرات منكَ.

تشوّهات فكريّة، ووجوه وأقنعة، وملامح لكلِّ شخصيَّةٍ فيكَ تمثِّلُ سواكَ.

كلّ حدثٍ جللٍ يخضعُ لمحكمةٍ ذاتيَّةٍ، صراعات مميتة، وتشتّت ذهنيّ، وضياع شامل.

أيّة طريق سأعبرُ، أيّ رداء سأرتدي، وعلامَ أكافحُ؟

ربّما لمْ تكنِ المسألةُ نزالاً بينَ ضدّين، لا شرّ مطلق في معركتِنا، ولا خير مطلق.
ما يجعلُ المرءَ الباحثَ عنْ راحةِ ضميرِهِ في مهمَّةِ بحثٍ مستمرَّةٍ.

كلّ قول نُحاسَبُ عليهِ، حتَّى وإنْ لمْ تكنِ المحاكمةُ معلنةً، فحينَ تلعبُ بنفسكَ دورَ الضّحيّةِ والقاتلِ والمدّعي العام والقاضي والشّهود وشهود الزّور والقائمين على الجريمة وأداتها والمكان والزّمان، لا شكّ أنَّ ذلكَ سيبدو أبغض بكثيرٍ منْ حكمٍ مثبَتٍ يُطلَقُ بدونِ طعن!

ربّما طالَ الصّراعُ أو ربّما طالتِ الأزمةُ أو الثّورةُ أو الحربُ.. منْ هنا ندركُ عدمَ وجودِ هويَّةٍ واضحةٍ لمأساتِنا.. أيّ اسم سننتقي؟

بكلِّ الأحوالِ.. لا بدَّ منْ مُتَنَفَّسٍ لهذه الأرض كي تذرفَ ضلالَها عنها، لكنْ.. مَنْ يُقنِعُ أرواحاً تألَّمَتْ أنْ تكفَّ عنِ الوجعِ، وتلتزمَ النِّسيان.
وهلْ يجبُ نسيان غايةٍ أودَتْ بشهداءٍ لا أحد يعلمُ مدى رضاهم عنّا، أو حقدهم علينا.

كلّ الآراء تحملُ شيئاً منَ المنطقِ، فليس عدلاً أنْ نزرعَ تفرقةً تودي بآلاف القتلى إرضاءً لحزنِنا وإيماناً بأسلوبِ “من بعدي الطّوفان”.
ومنْ جهةٍ أخرى لنْ يكونَ عدلاً أيضاً أنْ نرمي أوجاعَنا وأوجاعَ النَّاسِ اتّباعاً لنزواتِنا وأملاً بعودةِ توحّدٍ لشعبٍ كانَتْ وحدتُهُ تحتَ رايةٍ ما سبباً لما حلَّ بهِ.

إنْ يسأل أحدهم: ماذا سيفيدُ نضالُنا لإسقاطِ حكومةٍ فعلَتْ بنا ما فعلَتْ، وما منْ أملٍ يلوحُ بأفقِ التَّغيير.. فمَنْ يُجيبُ؟
ومَنْ يجيبُ مَنْ يسأل: وهل نتقبَّلُ ظلماً لأنَّ السّنوات تمضي دون أن نلحظَ تغييراً؟

مَنْ يُمانِعُ سعادةَ شعبٍ تلاشَتْ آماله وأحلامه قهراً وتشريداً وقتلاً لمدّة سبع سنين تحت أصوات ووقع القذائف والدّبّابات والقنابل والصّواريخ.
ومَنْ له الحقّ في أنْ يمحو معالمَ الحزنِ والحدادِ عنْ أناسٍ عاصروا المرَّ أحياءً، وذبلَتْ أعينهم لقسوةِ الفقد؟

مَنْ يُقنِعُ الأحياءَ في الوطنِ -الّذين لا حول لهم ولا قوّة- أنّ المنفيّين خارج الأرضِ يقضونَ أيّامهم حداداً عليها، وأنّه ما مِنْ بسمةٍ كانَتْ قدِ اعتلتْ وجوههم منذ سنوات.
في المقابل.. هل يفعلُ المنفيّين ذلك، وهل يتوجَّبُ عليهم إخمادَ كلّ وسيلةٍ قدْ تعدِّلُ من سلوكِ الآخرين، وتحسّن حالتَهم؟

مَنْ يشرحُ لمَنْ يسأل عنِ السّبب الّذي يدفعُ أناساً كانوا إرهابيّين وعملاء بنظرِ الدّولة ومناصريها لتمثيلها، أنّهم يمثّلون بلدهم فحسب بواجبٍ قوميّ.
ومنْ يُسقِطُ اللَّومَ عنْ كلِّ امرئٍ لا تدفعه كرامته لبذلِ جهوده وإمكانيّاته فداءً ونصرةً لأرضهِ وشعبهِ؟

مَنْ يبرِّرُ عدمَ خيانةَ لاعبين وشعراء وكتّاب وأدباء وأطبّاء لبلدهم، رفضوا خدمتَها بحجّة وجود دولةٍ ظالمةٍ.
ومَنْ يفسِّرُ عدمَ مبادرة المؤيِّدينَ للدّولةِ وحقّها بالحكمِ، بدعمِ كلّ موهبةٍ أو إنجاز سوريّ معارض بدافع القوميّة والهويّة؟

لِمَ لا تُعْكَسُ الصّورةُ مثلاً؟!

هلْ سيلقى الضّحايا تعاطفَ الجلّادِ وقتها، لو فرضنا أنّ مجموعة سوريّة معارضة كانَتْ لتمثّل بلدها في إحدى المسابقاتِ العالميّة.
أمْ أنَّه منَ الفرائض أنْ تبقى موازين القوى على حالِها، وأنْ تتّسمَ العدالةُ بصبغةِ السّلطةِ والوقوفِ بجانبِ الأقوى؟

إنّني فيما كتبتُ، أعلمُ أنّني لنْ أقفَ على رؤيةٍ ما، أعلمُ أنَّ كلَّ الأشياءِ والأحداثِ لنْ تكونَ عندي سوى موضع شكٍّ وسؤالٍ جديدٍ وتفكيرٍ بكلِّ نفسٍ تشاركْتُ معها يوماً قطعةً منَ السَّماء.

ليس سهلاً أبداً أنْ تكونَ مكاناً تلتقي فيه كلّ الأصوات.. لنْ يُقاس حجمُ الفوضى والضّجّةِ حينها!

ربّما لَمْ أكتبْ أدباً.. لكنْ لا بدّ أنْ أتذكّر قول أحدهم: “إنَّ مهمّة الأدبِ ليسَتْ إعطاء أجوبةٍ، بل طرح أسئلةٍ”.

التّفكير والسّؤال الدّائم والبحث عنِ الصَّوابِ والتّشكيك بكلّ رأيٍ وذريعةٍ، ربّما سيكونُ حلّاً مثاليّاً لنا يوماً ما.
فالحقيقة ليسَتْ بوجهتِنا، بل بالاتّجاهِ المعاكس، بالرّؤية الشّاملة، بأنْ نلتفِتَ لكلِّ نظرةٍ، وأنْ نستمعَ لكلِّ صراخٍ، أنْ نعلنَ أنَّ حديث الرّوح ليسَ حواراً بل حلقة بحثٍ كاملةٍ، أنْ نصبحَ فلاسفةً بلا براهين.
أنْ نعترفَ أنّنا لنْ نصل، بل نحاول الوصول، ألّا نصنّفَ الأشياء والأسماء، ألّا نعتمدَ مساراً ولا نائباً ولا رئيساً ولا حكومةً ولا هيئةً ولا جيشاً.

ألّا نتَّخذَ لوناً أسوداً أو أبيضاً.. أنْ نبقى رماديّين!